فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} بأن رخص لكم أن لا تفعلوه، وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم مما قام مقام توبتهم وإذ على بابُّها وقيل بمعنى إذا أو إن.
{فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكوة}. فلا تفرطوا في أدائهما.
{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} في سائر الأوامر، فإن القيام بها كالجابر للتفريط في ذلك.
{والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ظاهرًا وباطنًا.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ} والوا.
{قوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} يعني اليهود.
{مَّا هُم مّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ} لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك.
{وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب} وهو ادعاء الإسلام.
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أن المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس، وفي هذا التقييد دليل على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يعلم. وروي «أنه عليه الصلاة والسلام كان في حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل المنافق وكان أزرق فقال عليه الصلاة والسلام له: علام تشتمني أنت وأصحابك، فحلف بالله ما فعل ثم جاء بأصحابه فحلفوا فنزلت».
{أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} نوعًا من العذاب متفاقمًا.
{إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فتمرنوا على سوء العمل وأصروا عليه.
{اتخذوا أيمانهم} أي التي حلفوا بها، وقرئ بالكسر أي {أيمانهم} الذي أظهروه. {جُنَّةً} وقاية دون دمائهم وأموالهم.
{فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش والتثبيط. {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم. وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة.
{لَّن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئًا أُوْلَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} قد سبق مثله.
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ} أي لله تعالى على أنهم مسلمون.
{كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} في الدنيا ويقولون إنهم لمنكم.
{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْء} في حلفهم الكاذب لأن تمكن النفاق في نفوسهم بحيث يخيل إليهم في الآخرة أن الأيمان الكاذبة تروج الكذب على الله كما تروجه عليكم في الدنيا. {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} البالغون الغاية في الكذب حيث يكذبون مع عالم الغيب والشهادة ويحلفون عليه.
{استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} استولى عليهم من حذت الإِبل وأحذتها إذا استوليت عليها، وهو مما جاء على الأصل.
{فأنساهم ذِكْرَ الله} لا يذكرونه بقلوبهم ولا بألسنتهم.
{أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشيطان} جنوده وأتباعه.
{أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخاسرون} لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم المؤبد وعرضوها للعذاب المخلد.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ في الأذلين} في جملة من هو أذل خلق الله.
{كتاب الله} في اللوح.
{لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} أي بالحجة، وقرأ نافع وابن عامر {رُسُلِى} بفتح الياء.
{إِنَّ الله قَوِىٌّ} على نصر أنبيائه. {عَزِيزٌ} لا يغلب عليه شيء في مراده.
{لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ} أي لا ينبغي أن تجدهم وادين أعداء الله، والمراد أنه لا ينبغي أن يوادوهم.
{وَلَوْ كَانُواْ ءَابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} ولو كان المحادون أقرب الناس إليهم. {أولئك} أي الذين لم يوادوهم.
{كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان} أثبته فيها، وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإِيمان، فإن جزء الثابت في القلب يكون ثابتًا فيه، وأعمال الجوارح لا تثبت فيه.
{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ} أي من عند الله وهو نور القلب أو القرآن، أو بالنصر على العدو. قيل الضمير لـ: {الإيمان} فإنه سبب لحياة القلب.
{وَيُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا رَضِيَ الله عَنْهُمْ} بطاعتهم. {وَرَضُواْ عَنْهُ} بقضائه أو بما وعدهم من الثواب.
{أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله} جنده وأنصار دينه.
{أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} الفائزون بخير الدارين.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة».اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}
التفسير: عن عائشة قالت: «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كلمت المجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وأنا عنده لا أسمع وقد سمع الله لها». وعن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت عليه أكرمها وقال: قد سمع الله لها أي أجاب وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة. ورآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم فلما سلمت راودها فأبت فغضب وكان به حدة فظاهر منها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أوسًا تزوّجني وأنا شابة مرغوب فيّ، فلما كبر سني ونثرت بطني أي كثر منه ولدي جعلني منه كأمه. وفي رواية أنها قالت: إن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا. فقال صلى الله عليه وسلم لها: ما عندي في أمرك شيء». وروي أنه قال لها مرارًا: حرمت عليه. وهي تقول: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي فنزلت. ومعنى {في زوجها} في شأنه ومعنى (قد) في {قد سمع الله} التوقع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله عز وجل مجادلتها وشكواها وينزل في شأنها ما يفرج عنها. والتحاور التراجع في الكلام وفي الآية دلالة على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق كفاه الله همه. «يروى أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى زوجها وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: الشيطان، فهل من رخصة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم وقرأ عليه الآيات الأربع وقال صلى الله عليه وسلم له: هل تستطيع العتق؟ فقال: لا والله. فقال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ فقال: لا والله يا رسول الله إلا أن تعينني منك بصدقة فأعانه بخمسة عشر صاعًا وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين» وعلم أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية لأنه في التحريم غاية فإن كان شرعًا متقدمًا فالآية ناسخة له ولاسيما فيمن روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: حرمت عليه. وإن كان عادة الجاهلية فلا نسخ لأن النسخ لا يوجد إلا في الشرائع. ثم إنه سبحانه وبخ العرب أوّلًا بقوله: {الذين يُظاهِرُونَ منكم} ثم بين الحكم العام في الآية الثانية ولهذا لم يورد لفظة منكم ونحن نبني تفسير الآية على أبحاث الأول في معنى الظهار وهو عبارة عن قول الرجل لامرأته (أنت عليّ كظهر أمي) فاشتقاقه من الظهر.
وقال صاحب النظم: ليس الظهر بذلك أولى في يهذا المطلوب من سائر الأعضاء التي هي موضع التلذذ فهو مأخوذ من ظهر إذا علا وغلب وبه سمي المركوب ظهرًا لأن راكبه يعلوه، وكذلك امرأة الرجل مركبه وظهر له. والدليل على صحة هذا المعنى أن العرب تقول في الطلاق: نزلت عن امرأتي أي طلقتها. وفي لفظ الظهار إضمار والتقدير: ظهرك عليّ أي علوي وركوبي عليك حرام علي كعلو أمي. ثم لا مناقشة بين العلماء في الصلات فلو قال: أنت معي أو عندي أو مني أو لي كظهر أمي صح ظهاره. وكذا لو ترك الصلات كلها وقال: أنت كظهر أمي كما أن قوله (أنت طالق) صريح وإن لم يقل (مني) أما إذا شبهها بغير الظهر فذهب الشافعي إلى أن ذلك العضو إن كان مشعرًا بالإكرام كقوله أنت علي كروح أمي أو عين أمي صح ظهاره إن أراد الظهار لا الإكرام وإلا فلا. وإن لم ينو شيئًا ففيه قولان، وإن لم يكن مشعرًا بالكرامة كقوله أنت كرجل أمي أو كيدها أو بطنها ففي الجديد ظهار، وفي القديم لا، وقد يرجح هذا البراءة الأصلية. وقال أبو حنيفة: إن شبهها بعضو من الأم يحل له النظر إليه كاليد أو الرأس لم يكن ظهارًا، وإن شبهها بعضو يحرم النظر إليه كالبطن والفخذ كان ظهارًا. وفي التشبيه بالمحرمات الأخر من النسب أو الرضاع سوى الأم في الجديد وعليه أبو حنيفة أنه ظهار لعموم قوله: {يظاهرون} ومن قصره على الأم احتج بقوله بعده {ما هنّ أمهاتهم} وبأن حرمة الأم أشد.
البحث الثاني في المظاهر وفيه مسائل: الأولى: قال الشافعي: كل من صح طلاقه صح ظهاره وإن كان خصيًا أو مجبوبًا، ويتفرع عليه أن ظهار الذمي صحيح. حجة الشافعي عموم قوله تعالى: {والذين يظاهرون} وأيضًا تأثير الظهار في التحريم والذمي أهل لذلك بدليل صحة طلاقه. وأيضًا إيجاب الكفارة للزجر عن هذا الفعل الذي هو منكر من القول وزور وهذا المعنى قائم في حق الذمي. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يصح ظهاره. واحتج أبو بكر الرازي لهما بأن قوله: {والذين يظاهرون منكم} خطاب للمؤمنين. وأيضًا من لوازم الظهار تصحيح وجوب الصوم على العائد العاجز عن الإعتاق وإيجاب الصوم على الذمي ممتنع لأنه مع الكفر باطل، وبعد الإسلام غير لازم لأنه يجب ما قبله. وأجيب عن الأول بأن قوله: {منكم} خطاب للحاضرين فلم قلتم: إنه يختص بالمؤمنين؟ على أن التخصيص بالذكر عندكم لا يدل على نفي ما عداه. وأيضًا العام عندكم إذا أورد بعد الخاص كان ناسخًا للخاص. وعن الثاني أن من لوازم الظهار أيضًا أنه حين عجز عن الصوم اكتفي منه بالإطعام فهو هاهنا إن تحقق العجز وجب أن يكتفي فيه بالإطعام، وإن لم يتحقق العجز زال السؤال.
وأيضًا الصوم بدل عن الإعتاق والبدل أضعف عن المبدل. ثم إن العبد عاجز عن الإعتاق مع أنه يصح ظهاره بالاتفاق فإذا كان فوات أقوى اللازمين لا يوجب منع الظهار ففوات الأضعف كيف يمنع؟ وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي في الجواب: نقول للذمي إن أردت الخلاص من التحريم فأسلم وصم قوله الإسلام يجب ما قبله. قلنا: إنه عام والتكفير خاص والخاص مقدّم على العام. الثانية قال مالك وأبو حنيفة والشافعي: لا يصح ظهار المرأة من زوجها وهو ظاهر ولو قال شهرًا فقد قال أبو حنيفة والشافعي: بطل ظهاره بمضي المدة وكان قبل ذلك صحيحًا لام روي أن سلمة بن صخر ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ثم وطئها في المدة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحرير رقبة. وأما بطلان ظهاره بعد المدة فلمقتضى اللفظ كما في الأيمان. فإذا مضت المدة حل الوطء لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته. وقال مالك وابن أبى ليلى: هو مظاهر أبدًا.
البحث الثالث في المظاهر عنها. ويصح الظهار عن الصغيرة والمجنونة والأمة المتزوّجة والذمية والرتقاء والحائض والنفساء، ولا يصح عن الأجنبية سواء أطلق أو علق بالنكاح فقال (إذا نكحتك فأنت عليّ كظهر أمي). ويصح عن الرجعية ولا يصح عن الأمة وأم الولد عند أبي حنيفة والشافعي لأن قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} يتناول الحرائر دون الاماء كما في قوله: {أو نسائهن} [النور: 31] بدليل أنه عطف عليه قوله: {أو ما ملكت أيمانهن} [النور: 31] وقال مالك والأوزاعي: يصح لأن قوله: {من نسائهم} يشمل ملك اليمين لغة. وفي الآية سؤال وهو أن المظاهر شبّه الزوجة بالأم ولم يقل إنها أم فيكف أنكر الله عليه بقوله: {ما هن أمهاتهم} وحكم بأنه منكر وزور؟ والجواب أن قوله (أنت عليّ كظهر أمي) إن كان إخبارًا فهو كذب لأن الزوجة حلال والأم حرام وتبشيه المحللة بالمحرمة في وصف الحل والحرمة كذب، وإن كان إنشاء كان معناه أن الشرع جعله سببًا في حصول الحرمة، ولما لم يرد الشرع بهذا السبب كان الحكم به كذبًا وزورًا ولهذا أوجب الله سبحانه الكفارة على صاحب القول بعد العود. سؤال آخر قوله تعالى: {إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} ظاهره يقتضي أنه لا أم إلا الوالدة لكنه قال في موضع آخر {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء: 23] وقال: {وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] أجاب في الكشاف بأنه يريد أن الأمهات على الحقيقة إنما هن الوالدات وغيرهن ملحقات بهن لدخولهن في حكمهن بسبب الإرضاع، أو لكونها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أبو الأمة. وأما الزوجات فلسن من أحد القبيلين وكان قول المظاهر منكرًا لمخالفة الحقيقة وزورًا لعدم موافقة الشرع.